محمد عناني 1

محمد عناني 1

محمد عناني

أكاديمي مرموق ومترجم رفيع المستوى

1/2

بقلم الدكتور أحمد درويش

الدكتور محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة شخصية علمية شديدة الثراء ومتنوعة العطاء، فهو أستاذ قدير في الأدب الإنجليزي وأحد رواد تدريسه بالجامعات العربية وتقديم روائعة للقارىء العربي،والإفادة من مناخه الثقافي في تجديد دماء الأدب العربي، من خلال مؤلفاته الفكرية والإبداعية التي يكتبها بلغة عربية أدبية رفيعة المستوى، وهو ينضم من خلال هذه الطاقة إلى كتيبة أنتشر أنتاجها خلال نصف القرن الماضي من أمثال د. عبد العزيز حمودة، ود. سمير سرحان ، ود. ماهر شفيق فريد، ود. فخري قسطندي، وهم ينتمون جميعاً إلى الفريق الأكاديمي لقسم اللغة الإنجلزية كلية الآداب بجامعة القاهرة، وقد أثروا جميعاً، من رحل منهم إلى رحمه الله، ومن ظل يواصل العطاء، وزادهم الله عمراً وحيوية وقدرة، أثروا الأدب العربي المعاصر بكتابات وإبداعات في فنونه المختلفة في الشعر والمدح والرواية والقصة القصيرة والترجمة.

ومن هذه الزاوية تتعدد مؤلفات الدكتور محمد عناني الأكاديمية والإبداعية بالعربية والإنجليزية، فقد صدرت له عدة كتب في مجال النقد الأدبي ونظرياته، منها كتابه “في النقد التحليلي” سنة 1963، وكتاب “فن الكوميديا” سنة 1980، وكتاب “الأدب وفنونه” سنة 1984، و”المسرح والشعر” سنة 1986، و”قضايا الأدب الحديث” سنة 1995 و”المصطلحات الأدبية الحديثة” سنة 1996، و”الترجمة الأدبية بين النظرية والتطبيق” سنة 1997، و”نجيب محفوظ في عيون العالم” سنة 2002.

ولا تقل أعماله الإبداعية غزارة وتنوعاً إذا قيست بأعماله الأكاديمية، فقد اصدر في مجال المسرح نحو عشرين مسرحية متنوعة بين المسرح النثري والمسرح الشعري، وعرض كثير منها على خشبات المسرح، مثل مسرحية “حلاوة” و”السجين والسجان” و”البر الغربي” والمجاذيب” و”الغربال” و”جاسوس في القصر” وغيرها من المسرحيات، كما صدرت له دوواين شعرية مثل “أصداء الصمت” سنة 1997، و”حورية أطلس” سنة 2001، و”طوق نجاة” سنة 2004 و”أصداء وأصوات” سنة 2015.

وفي مجال الترجمة قدم الدكتور محمد عناني للقارىء العربي، بعضاً من روائع الأعمال العالمية، مثل الفردوس للشاعر الإنجليزي ملتوف في جزأين عام 1981 ، 1989، إضافة إلى ترجمة مجموعة من روائع وليم شكسبير مثل “روميو وجوليت” سنة 1986، و”تاجر البندقية” سنة 1988، و”يوليوس قيصر” سنة 1991، و”حلم ليلة صيف” التي ترجمها شعراً سنة 2008 و”الملك لير” التى ترجمها شعراً كذلك سنة 2008، و”هنري الثامن” سنة  2009 و”هاملت” سنة 2004، و”عطيل” سنة 2005 و”ماكبث” سنة 2005، و”أنطونيو وكليوباترا” سنة 2007 و”زوجتان مرحتان من وندسور” سنة 2007، وغيرهما من الأعمال الشكسبيرية التي كادت تغطي معظم أعمال الكاتب الإنجليزي الكبير، والذي نشطت حوله حركة الترجمة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر وقدم كل جيل من كبار المترجمين مذاقه الخاص في إستقبالها وتأويلها ونقلها إلى العربية، وكادت تكون جهود محمد عناني في هذا المجال موازية لجهود خليل مطران في بداية القرن العشرين، مع ميل واضح عند عنان لتوظيف الشعر في الترجمة، على عكس مطران الذي كان من كبار شعراء عصره، ومع ذلك فقد أثر الترجمة النثرية الرصينة.

وقد شارك محمد عناني بدور بارز في ترجمة الأعمال الأكاديمية الهامة عن اللغة الإنجليزية بلسان عربي مبين، يبتعد عن سمة العجمة والركاكه التي يستم بها كثير من الترجمات المعاصرة، وخاصة في مجال النقد الأدبي والتفكر الفلسفي، ويأتي على رأس الأعمال الأكاديمية الهامة التي ترجمها عناني إلى العربية الناصعة، أعمال إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني الأمريكي، وعلى رأس هذه الأعمال كتابة “تغطية الإسلام” الذي صدر في ثلاث طبعات متتالية، سنة 2005، 2006، 2008 ثم كتاب “المثقف والسلطة” الذي صدرت منه طبعتان سنة 2006، 2007 وقد توجت ترجمات محمد عناني لأدوارد سعيد بالترجمة الرائعة لكتاب الإستشراق سنة 2006، وهي ترجمة تختلف إختلاف واضحاً عن الترجمة العربية السابقة للكتاب ذاته، والتي يجيد القارىء العربي صعوبة كبيرة في إستيعاب قضاياها الدقيقة.

إن الدكتور محمد عناني، فضلاً عن كونه أستاذاً جامعياً بارزاً، ومبدعاً له تجارب جديرة بالتقدير في مجالات الرواية والمسرح والشعر، يمثل في تاريخ العربية المعاصرة مكاناً مرموقاً، لأنه سعي بإجتهاد وتسانده الموهبة إلى التمكن من لغته العربية وأسرار تراكيبها، وهو شرط يتمكن معه من صياغة المحتوى الذي يتلقاه من اللغة الأجنبية التي يترجم عنا، إلى صيغة عربية موازية ودقيقة في نفس الوقت، وهي خاصية نفتقدها في كثير من الترجمات التي تعطي جل إهتمامها لتلقي ما ترسلة اللغة المترجم عنها ولا نبذل نفس الجهد في صياغة اللغة التي ترسلها للقارىء العربي، فتظل لغة الترجمة ضبابية يقنع المترجم فيها بأنه قد فهم النص الأجنبي، بدرجة من درجاته لأنه على صلة باللغة الأجنبية التي ينقل عنها، ولا يهتم كثيراً، بأن يكون القارىء قد فهم ما نقله إليه، وتلك ظاهرة شديدة الشيوع في كثير مما تقذفه المطابع وتزدان به واجهات المكتبات من المترجمات.

وسوف نقف في المقال القادم، أمام ترجمة محمد عناني شعراً لأربعين قصيدة إنجليزية كتبت حول مصر في القرن التاسع عشر.

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*