من خلال الصورة والكلمة، الزبير يحي
نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية
1 / 2
بقلم الدكتور أحمد درويش
من خلال إصدار فني راق ومحكم ومتكامل، أصدر معالي محمد بن الزبير، مستشار صاحب الجلالة حفظه الله كتاباً تتكامل فيه الصورة البصرية المجسدة، مع الكلمة العلمية الموضوعية المعبرة، تحت عنوان “نزوى.. عاصمة الثقافة الإسلامية 2015” والكتاب تحية علمية وفنية للحدث التاريخي المرتبط بالعام الذي يوشك على الرحيل عام 2015، والذي أختيرت خلاله مدينة “نزوى” لتدخل قائمة العواصم الثقافية للعالم الإسلامي، إنطلاقاً من تاريخها العريق، وحاضرها الزاهر ومستقبلها الواعد في المجال الثقافي على نحو خاص.
وفن التصوير الرقمي، الذي يشكل صلب المادة الفنية للكتاب، يعد من الفنون الجميلة الراقية، الذي تتعاون في إنجازه حزمة من المواهب والفنون، وفروع المعرفه، ويمر بمراحل عديده بين اللحظة التي يرغب الفنان فيها النقاط مشهد بصري في لحظة مكانية وزمانية معينة، وإختيار عناصر المشهد إنطلاقاً من بؤرته ووصولاً إلى حواشيه وأركانه وخلفياته، وإهتماماً بتوزيع الأضواء والتركيز على عناصر موحية قد لا تلتقطها عين الرائي العادي للوهلة الأولى.
ويحتاج فن التصوير الرقمي إلى معالجات فنية طويلة للصورة على الإجهزة الإلكترونية بعد لحظة التقاطها، وقبل عرضها على المشاهد وفي هذه المرحلة تتجلى قدرات المصور الفنية وإختياراته، وتوزيعاته للأضواء والألوان بدرجاتها وأطيافها المختلفه على جوانب صورته التي التقطها والتي يوظف مواهبه ومعلوماته وقدراته وأجهزته الحديثه لكي يحولها إلى “لوحة” إنطلاقاً من كونها في الأصل “صورة” ومن هنا فإن براعة “المصور” في فن التصوير الرقمي لا تقف فقط عند حسن إختيار اللحظة والموقع والزاوبة والمشهد. وإنما تمتد إلى حسن “المعالجة” الفنية وهو يعرض ما قام بإختياره.
من هذه الزاوية يبدو الفنان محمد بن الزبير واحداً من أكثر الفنانين براعة ومقدرة في فن التصوير الرقمي لا على مستوى عمان وحدها، ولا المنطقة العربية فحسب، وإنما تستيطع أعماله أن تجد لها مكاناً لائقاً بين “لوحات” هواة هذا اللون من “التصوير الرقمي” على المستوى العالمي.
وقد أضاف الزبير إلى قيمة لوحاته تلك أنه لا يجعلها تنطلق فناً من اجل الفن ولا تصويراً من أجل التصوير وإنما يوظفها دائماً، في “حب عمان” وهو سائح عاشق متأمل ملم بكل أراضيها في السهول والجبال والشواطيء وفي مختلف ساعات الليل والنهار التي تستطيع كل لحظة فيها أن تعطي للمشهد الجميل، مذاقاً جديداً.
وقد تجسدت إبداعاته المصورة حول عمان في عدة أعمال فنية رائعة لعل من أبرزها كتابه: “عمان بلادي الجميلة” الذي صدر بخمس لغات عالمية منذ أكثر من عشر سنوات، وقد أتيح لي أن أكون قريباً من الفنان المصور في بعض لحظات إعداده ورأيت كيف يبذل مجهوداً خارقاً لكي يلتقط صورة لمكان بعينه في لحظة إنعكاس الخيوط الأولى للشمس عليه بما يتطلبه ذلك احياناً من الإنطلاق من بيته قبل الفجر ليصل إلى المكان في اللحظة المناسبة التي يترقبها الفنان وقد دفعني إنبهاره بجمال عمان وحبها معاً ونجاحه في تجسيد ذلك في صورة فنيه بديعة إلى أن أكتب إليه تحية شعرية عند صدور كتابه “عمان بلادي الجميلة” جاء فيها.
يا ناسج الضـــوء أنغاماً والحـــــــانا | |
سطــــــــــرت حبك تلميحاً وإعـــلانا | |
هذي عمـــان التي أحببتها ظهــــرت | |
مجلوة ترتدي للحسن ألـــــــــــــوانا | |
ما بين مئذنة بيضاء شــــــــــــامخة | |
توشوش النجم تيها بالذي كـــــــــانا | |
وبين جــــــارية في الــبحر رافعــــة | |
أعلامها يزدهيها الـــــــحسن نشوانا | |
أو صخرة في الأعــــالي عزّ مطلبها | |
الدهر لان.. ومنها العـــــــزم ما لانا | |
أو سرب طير سعى في أفقها فرأت | |
عيناك فيه من الأحكــــــام ألــــــــونا | |
أو لحظة لشــروق . ربمــــــا مرقت | |
والكون يبدو غضيض الطرف وسنانا | |
أو لـــــحظة لغروب ربمـــــا عبرت | |
على الجفون، فلم تحفل بها شـــــانا | |
يا ناسج الضوء قد صورتها تحفـــاً | |
فريــــدة.. بـــــوركت كفّـــــــاك فنانا |
وقد تجلت براعة الزبير التصويرية في كتابه الجديد “نزوى” عبر نحو مائة وخمسين صورة ولوحة بارعة تجسد كل مظاهر الحضارة والعمران والآثار والقلاع والحصون والصناعات والأنشطة الحيوية المختلفة لمدينة نزوى عبر العصور إمتداد إلى اللحظة الحاضرة التي سجلتها صور الأقمار الصناعية والتي ضمها الكتاب في صفحاته الأولى.
وقد ازدان مفتتح الكتاب بمقاطع من كلمة صاحب الجلالة حفظه الله حول نزوى عندما أقيمت احتفالات العيد الوطني في عام 1994 والذي أطلق عليه عام التراث، وتم إختيار نزوى لتقام فيها احتفالات البلاد، تقديراً لموقعها الفريد في إحتضان التراث وحمياته وبتخريج أجيال من العلماء والأدباء والشعراء.
كما حظي الكتاب بتقديم صاحب السمو السيد هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد وزير التراث والثقافة .
لكن مادة كتاب “نزوى” لا تقتصر على الصور الفنية المعبرة عن نزوى عبر العصور، ولكنها تمتد كذلك إلى المعلومات الدقيقة الموجزة التي تعرض لتاريخ نزوى وأشهر منا أنتجته من مفردات صنع الحضارة والتراث وهو ما سنقف أمامه في المقال القادم.