هلال الحجرى وصورة عمان فى الأدب الإنجليزى
بقلم الدكتور : أحمد درويش
الدراسة الأكاديمية الثقافية الجيدة والتى قدمها الدكتور هلال الحجرى أستاذ الدراسات الأدبية والنقدية المساعد بقسم اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس ، تحت عنوان ” غوايه المجهول ” ودارت حول صورة ” عمان فى الأدب الإنجليزى ” دراسة تستحق بكل المقاييس التقدير والإعجاب من حيث التوفيق ودقة الإختيار لبؤرة الارتكاز والمادة الأدبية المصاحبة لها .وحسن التحليل والتوجيه والإستنتاج . ولابد أن أشير إلى ميزة جوهرية يتميز بها هذا الكتاب ، ونكاد نفتقدها فى كثير من الكتب المناظرة التى تتخذ مادة انطلاقها من الأداب الأجنبية ، وهى ” جودة الترجمة الأدبية المشرقة ” الى العربية للنصوص التى يتم اختبارها للدرس والتحليل ، وهى جوده تكشف عن قدرات ” الشاعر ” المترجم , وإكتمال بنائه الأدبى ، وحساسية إداركه لظلال الكلمات وإيحاءاتها فى العربية ، الى جانب دقة ” الأكاديمى ” الذى يحيط النص بعلاماته الترقمية الضروريه إبتداء وإنهاء وفراغاً وسطيا عند اللزوم . وينسبه الى مصادره الموثقة
والكتاب تدور مادته الجوهريه حول ما كتب فى الآدب الإنجليزى شعرا او نثرا ( مع غلبة النثر بطبيعة الحال) حول ” عمان ” بمفهومها التاريخى والجغرافى فى القرون الحديثة . ويتمثل ذلك فى كتابات اعلام مشهورين فى هذا الأدب من امثال جون ملثون . وتوماس مور ووالت وتيمان والسير ادرين ارنولد ويوجين هاملتى . وغيرهم من الأدباء الذين سجلوا إنطباعاتهم بالإنجليزية وبعضهم شعراء أمريكان مثل الشاعر الأمريكى فيتشن تايلر الذى كتب شعرا فى مدح السيد سعيد بن سلطان ، او كما كتب الشاعر الإنجليزى فرانسيس هسينجر قصيدة رثاء فى حصان عربى اصيل اسود ، كان السيد سعيد بن سلطان قد اهداه لملك إنجلترا ولكن الذين تولو امره بعد وفاه الملك لم يقدموا له العناية اللائقه به فتدهورت حاله ونفق
وقد حرص هلال الحجرى على أن ينقل بعض هذه القصائد الى العربية فى شكل شعر عربى موزون مقفى . وبعد ان اشار الى أن صديقه الدكتور عبد الله الحراصى ، سبق وأن ترجم بعضها نثرا (وليته أثبت النص النثرى للحراصى، فى مقابل نصه الشعرى المقترح ، ليقدم فرصه للقارىء ، حول المقارنه بين الملتفط والمهمل والمضاف فى كل من الترجمتين النثرية والشعرية لنص واحد، وتلك على ايه حال قصة قديمة متجددة )
إننا يمكن ان نجد ثلاثة أنماط من ترجمه النصوص الإنجليزية فى هذا الكتاب الهام إلى العربية
أولها : نمط الترجمة الى شعر موزون مقفىً مثل ترجمة قصيدة تايلر فى السيد سعيد بن سلطان .
سلطان مسقط افخر عهد مجدكم شلال ضوء مدى الآفاق ينسكب
خلدت اسمك مجد الشرق يعرفه والغرب ليس بخاف عنه ذا النسب
عبر المحيطات جئنا امة مخرت عباب بحر عمان .. قلبها يجبُ
والنط الثانى ترجمة الى نثر شعرى مثل ترجمة قصيدة الشاعر جون كانادى حول الربع الخالى . على النحو التالى
في الربيع المبكر-هنا-في الربع الخالي
جبريل هز عصاه على الظهور المحدبة
للسحب الهائجة. إنها تهدر كالجمال الغاضبة
وترعد نحو حقول الفلاحين.
في الليل, أحلم بالعشب مخضرا يتكلم.
ولكن ساعة الهجير, حتى الثرثرة الجافة للجن
تهجر الأودية. الشمس تدلي دلوها,
رغم أن جسدي هو البئر الوحيدة في هذه الصحراء.
أما النمط الثالث من الترجمة فهو يمثل ” النثر السردى ” وثد تمثل هذا فى الفصل القيم الذى ترجمه هلال الحجرى من رواية الكاتب البريطانى المعاصر هاموند انيس ، تحت عنوان عمان : الواحة الذاهبة ( مع اعتراف المترجم بأن كلمة عمان ” من اضافة الترجمة وليست فى الاصل ) the Doomed oasis
ويتصدر هذا الفصل عبارة والتر دى لامبر حول بلاد العرب التى تقول :
مجنون ببلاد العرب
سحرته
سرقت عقلة
تركته بلا ارب
ثم بورد هلال الحجرى ترجمة من الرواية حول بعض الأحداث التى وقعت فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى لبلاد الخليج العربى مثل قوله :
” هو يرى ان شركة تنمية حقول بترول الخليج عمان ، يجب ان لا يقتصر التنقيب من خلالها على المنطقة المزعومة بالنفط ، والتى تمتد من العراق عبر الكويت والظهران والبحرين وقطر وإنما يجب ان يصل الى الجنوب الشرقى على خط جبال الحجر عبر البريمى وحتى الإمارة المستقلة ( صريفى)..من غير المعروف ما اذا كان الرجل مصيبا فى رأيه هذا…مالم يكتمل التنقيب والحفر وكان هناك رجل يسمى هولمز ” كان مهتما بالحديث عن نفس الموضوع بالبحرين وقد ثبت ان راية كان صحيحاً .
إن وجود هذه الانماط الثلاثة فى لغة الترجمة فى كتاب أكاديمى وشاعر ومترجم جيد ، ربما يدفعنا الى دراسه إمكانيه المزيد من الاستفادة من أنماط ترجمة النصوص الأجنبية الأدبية أو التاريخية الى لغتنا العربية ، وفتح حوارات مع طلاب الترجمة والأدب حولها .
ومع ان الكتاب حول صورة عمان فى الأدب الإنجليزى فإن المؤلف أثار فى مفتتحه جوانب من صورة عمان عند الشعراء العرب قديما وحديثاً ، وأورد أبياتا لشعراء مثل السيد الحميرى وأبى نواس ومهبار الديلمى وشعراء مصريين فى العصر الحديث مثل على درويش وحافظ ابراهيم وعلى الجارم ،وغيرهم ولكنه اشار الى أن صورة عمان تتردد على شكل ” ذبذبات خجولة ” فى الشعر العربى ، والواقع ان هذه الملاحظة تصدق على كل شىء ” قريب ” منا لا ينطوى تحت ” غواية المجهول” التى اختارها هلال الحجرى عنوانا لكتابه ، ومصر التى اهتم بها مثلا فكتور هجو ، والفريد دى موسيه ، وحبرارا دى ترفال ، وتيوفيل جوتييه ، وفلوبير وغيرهم من شعراء فرنسا على نحو خاص الذين كان لهم ” ولع ” بمصر ، لم تجد وهذا شىء طبيعى ، من يبدى نفس الإهتمام من الاهل أو الجيران الأدنين وتلك طبيعة الأمور ، لكن صورة عمان الهادئة الوادعة الطيبه اثيره فى نفوس كل محبها القاصين والدانين .