2 ميلاد القصيدة من بنية المفارقة

2 ميلاد القصيدة من بنية المفارقة

الشعر والمفارقة

“باب الصبابات…فصل الخطاب”

2 / 2

بقلم الدكتور/ أحمد درويش

 

تحت هذا العنوان، أصدر حسن طلب ديوانه الأخير الذي سبقه نحو خمسة عشر ديواناً، منذ أصدر ديوانه الأول “الوشم” في بداية السبعينات، مروراً بدواوينه الشهيره مثل “سيرة البنفسج” و”أزل النار في أبد النور” و”زمان الزبرجد” و”آية جيم” (الذي أثار كثيراً من الجدل) و”لانيل إلا النيل” و”مواقف أبي علي” وديوان رسائله وبعض أغانيه و “حجر الفلاسفة” وغيرها من الدواوين.

والديوان الجديد مع انه ينتمي إلى عام 2015 في تاريخ طباعته، فإن قصائده ينتمي بعضها إلى فترات تاريخية مبكره من إنتاج الشاعر، فالقصيدة الأولى التي تحمل عنوان “إستضاءة” كتبت سنة 1999 والثانية وعنونانها… “إستضاءة حالكة” كتب في سنة 1989 ، أي قبلها بعشر سنوات، والثالثة وعنوانها، “إستضاءة حالكة جداً” كتب في سنة 1989 ومع ان عناوين القصائد الثلاث، توحي بالتدرج في كتابتها، فإن توريخها تشير إلى غير ذلك.

وهناك قصائد تعود إلى تواريخ أكثر قدماً مثل قصيدة هوية سنة 1978، والتي تلتها في ترتيب الديوان قصيدة هوية جديدة سنة 1989. وثالثة بعنوان “هوية أجد” سنة 1995، ومعنى ذلك أن ترتيب القصائد في الديوان لا علاقة له بترتيب كتابتها، بل إن توزيع القصائد إلى مجموعات و”حزم” والتنسيق التدريجي بين عناوينها  كما رأينا في الأمثلة السابقة: “إستضاءة، إستضاءة حالكة، إستضاءة حالكة جداً” أو ” هوية ، هوية جديدة، هوية أجد” هذا التنسيق في الغالب جاء من لمسات “الشاعر المخرج” وليس “الشاعر المبدع” وذلك جزء من نزعة التقسيم “المنطقية الفلسفية الشعرية” التي سيطرت على تنظيم الديوان وأخراجه وتمتد هذه النزعة التنظيمية إلى قصائد الديوان الستين التي تم توزيعها على عشرين فصلاً، يحمل كل فصل منها عنواناً مستقلاً، مثل “فصل الإشراق” و” فصل الحضور” وفصل الفصول وفصل الهوى وفصل الغرام وفصل المكابده وفصل النسيب ، وفصل الطوالع “الذي تنطوي تحته قصائد مثل برج العقرب وبرج الأسد وبرج الميزان وبرج القوس وبرج البروج” ثم تطالعنا فصول أخرى مثل فصل الفتنة وفصل الجحيم وفصل النعيم، وفصل المقال الذي تنطوي تحته عناوين مثل تفيكيك، تشكيك ، تبريك، وفصل المعاناه الذي نجد تحته عناوين مثل إختبار وإختيار وأضطرار وإحتضار وإنتظار.

وهذا الإحكام والتنوع والتعدد في العناوين والفصول والأبواب يحمل كذلك طيف تقسيمات كتب الحب والغرام التراثية مثل كتاب “طوق الحمامة” لإبن حزم وهو كذلك فيلسوف فقيه شاعر لكنه ساق تقسيماته المحكمة تلك في كتاب من روائع النثر والقصص العربي، وسوف يبقى السؤال وارداً حول مدى ملاءمة هذه التقسيمات المحكمة لروح الشعر المجنحة والموجودة في الديوان مجسدة في كثير من قصائدة.

تثير هذه القصائد المتفرقة في الزمان والمتحدة في موضوع واحد، هو “الحب والصبابة” قضية ” شعر المناسبات” والإرتباط المحتمل بين كل قصيدة، ومناسبة معينة أوحت بها، أو “ملهمة” معينة كانت وراءها ومدى تأثير ذلك على دلالاتها الشعرية بعيداً عن لحظة مناسبتها، والواقع أن الذين يثيرون قضية “المناسبات” يظلمون الشعر الجيد والفن الجيد بصفة عامة، فعلاقة العمل الفني، بالمناسبة التي أثارته في رأيي مثل علاقة السهل أو الهضبة أو القمة التى إنطلق الطائر منها في رحلة تحليقية، والتي لا تمثل إلا لحظة الإنطلاق، التي قد يطير منها عصفور أو غراب أو نسر أو رخ، ثم يتخذ كل منها مساره وقوة تحليقة حسب قواه الخاصة دون علاقة ببقعة الأرض التي أنطلق منها، ومن هنا يبقى الشعر الجيد جيداً، أياً كانت درجة ارتباطه بالمناسبة ويبقى الشعر الضعيف ضعيفاً، أياً كانت درجة خلوه منها.

وتظل سمة “المفارقة” سمة بارزة  سواء في عتبات النص الأولى ممثلة في العنوان، أو في عتباته التالية ممثلة في أسماء الفصول والقصائد أو في بناء القصائد ذاتها، التي تنسج فيها اللحظة الأولى من أبعد الخيوط توقعاً عن الإمساك به ونموذج قصيدة المفتتح “إستضاءة” صالح لأن يقدم خلية ممثلة لباقي القصائد. حيث التطلع إلى بناء خيمة النور والإنتعاش والإنطلاق من أضعف خيط واهن، تحت قبة ظلام حالكة، وفي لحظة يأس قاتلة يقول الشاعر:

هكذا يسدل الليل ولا يبقى سوى هذا الشــعــــاع

باهتاً كالأمل الكاذب، مهزوزاً كعنــــــــقود تدلى

خافتاً يبحر في السدفة من غير شــــــــــــــراع

صامتا..يرقص لي .. يشرح منى الصدر شرحاً

قلت مـــــــــرحى… إنني كنت أظن الفرح ولّى

كنت في صحراء حزني

كلمـــــــــــــــــــــــــا أومض برق … قلت كلا

فــــــــــــــــإذا بـــــــــالله من فـــــوقي تجلىّ

وإذا مــــــــــــــن كل فج فيضه يغمــــــرني

وإذا بالنور يستغفرني

خاشعــــاً يومىء محمولاً على الف ذراع

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*